في تحصيل العلم: هل أَخَذَنَا "تَأليه" المنهج العلمي للمحظور!؟ - II


نظرة سريعة على ما انتجته الحضارات القديمة -٢


"هذه سلسلة مقالات تبدأ باستعراض الإنجازات العلمية والفكرية والفلسفية للحضارات القديمة، وصولا الى ما قبل النهضة في أوروبا. ثم نستعرض إنجازات المسلمين وبعدها نتحدث عن إنجازات أوروبا عصر النهضة وكيف تم تكريس المنهج العلمي منذ بدايات ابن الهيثم في كتابه المناظر ،عندما تحدث عن المنهج التجريبي وطبقه، وتثبيت فرانسيس بيكون له في كتابه الآلة الجديدة  في العالم الغربي كمنهج لتحصيل العلوم، وطرح رينيه ديكارت الأساسية في كتابه مقال في المنهج ، الذي يتمحور حول تطوير منهج عقلاني جديد للوصول إلى الحقيقة اليقينية في العلوم والفلسفة، مع رفض المناهج التقليدية المبنية على السلطة أو التقاليد، وصولا لاطروحات فيلسوف العلم النمساوي بول فايراباند المعاصر، في كتابه ضد المنهج، الذي رفع فيه شعار "كل شئ يمشي أو ممكن" في تحصيل العلم ، ونفصل في أطروحاته ، وفي مواقف المؤيدين والمعارضين له ومن ثم نصل لخلاصات في نهاية الحديث في آخر السلسلة"

ونكمل هنا لنتناول المنجزات العلمية والفلسفية والحضارية  لبلاد فارس ، ومصر القديمة.

منجزات حضارات فارس القديمة

وعلى مفترق الطرق بين الشرق والغرب، نهضت حضارة فارس، وبلغت ذروتها في العصر الساساني، حيث تلاقى العمق الديني مع الحكمة السياسية والتفوق العلمي في نسيج حضاري فريد. لم تكن فارس مجرد إمبراطورية مترامية الأطراف، بل كانت منارة للمعرفة والفنون، والطب والفلك والفلسفة. أبدع الفرس في تنظيم الإدارة والاقتصاد، وابتكروا أنظمة عدالة وضرائب متقدمة، ومدّوا شبكة طرق ربطت أقاليم مترامية. وكان لعلمائهم دور محوري في نقل المعارف الهندية واليونانية وترجمتها وتطويرها، ولا سيما في الطب من خلال مدارس كجنديسابور، التي أرست دعائم النهضة العلمية في العصور الإسلامية. لقد سجلت فارس الساسانية حضورًا خالدًا في سجل الحضارات، بتراث من الفكر والنظام والابتكار. وفي العصور التي سبقت الإسلام، وبشكل أدق،  في زمن الاخمينين ٥٥٠ الى ٣٥٠ قبل الميلاد،  وزمن  الساسانيين ٢٢٤م الى ٦٥١ م، كانت  بلاد فارس منارة فكرية وعلمية كبرى في الشرق، تشعّ بالمعرفة وتؤثر بعمق في محيطها من الهند إلى بلاد الرافدين واليونان. فلقد قامت الدولة الساسانية على أسس راسخة من التنظيم الإداري والثقافي، وكانت ترعى العلم وتعدّه أداة من أدوات تثبيت الملك وتقدم الدولة.  ففي العهد الإخميني، اهتم الفرس بالتقويم الفلكي والزراعة والهندسة المائية، وابتكروا أنظمة ري متقدمة تُظهر فهمًا بيئيًا عميقًا، كما قاموا بنقل المعارف من البابليين والمصريين واليونان، وبرزت لديهم أشكال من الطب الديني المرتبط بالزرادشتية، دون أن تُوثق أعمال علمية منهجية بشكل كبير، لكنها ظهرت في البنية المؤسسية كالبريد والمراسلات والطُرق المعبّدة المنظمة. أما في العهد الساساني فكان أحد أبرز معالم هذا العصر هو ازدهار الأكاديميات العلمية الكبرى، وعلى رأسها أكاديمية جنديسابور ، التي تأسست في القرن الثالث الميلادي، واعتُبرت آنذاك من أعظم المراكز العلمية في العالم، حيث جمعت بين أطباء ومترجمين وعلماء من الفرس واليونان والسريان والهنود. 

وجميل الاسهاب في تفاصيل ووصف هذه المدرسة لأن فكرة تأسيس أكاديمية جُنديسابور، أحد أعظم التحولات الحضارية التي أدركتها الإمبراطورية الساسانية، بعد أن علم الساسانيون بوجود مكتبة الإسكندرية العظيمة كمركز للعلم والثقافة في العالم الهلنستي. حرك هذا الاكتشاف فيهم طموح تأسيس مؤسسة شبيهة في بلادهم، تجمع بين ترجمة النصوص والتدريس الطبي والفلسفي، فأسس الملك شابور الأول المدينة عام 260م بعد انتصاره التاريخي على الإمبراطور الروماني فاليريان وأسر فرقة من العلماء والرومان، ممن جلبوا معهم خبرات ومعارف متنوعة. تطورت المدينة تدريجيًا إلى مدرسة علمية متكاملة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنوّع الثقافي. بدايات التأسيس شملت إنشاء مستشفى ومكتبة ومركز ترجمة تحت راية الشاه، لكنّها بلغت ذروتها في عهد الملك خسرو الأول (أنوشيروان) الذي اعتلى العرش بين 531 و579م. فقد استدعى في بلاطه علماء من اليونان والهند والصين ونقلوا إلى جنديسابور حيث ترجموا الكتب الطبية والفلسفية اليونانية والسريانية والسنسكريتية إلى الفهلوية، كما استُقدم الطبيب الفارسي برزوي من الهند بترجمات مثل "خرافات بيدبا".  الميزة الفريدة لجنديسابور لم تقتصر على الترجمة، بل تأسيس نموذج للتعليم الطبي والبحث العلمي. ففي عهد أنوشيروان عقدت “المؤتمرات العلمية الدولية” لأول مرة عام 550م، حيث شارك فيها مئات العلماء من خلفيات مختلفة لتبادل المعارف الطبية والفلسفية. وقد وُضعت آليات لتأهيل الأطباء وفحصهم قبل ممارسة المهنة، ووُضعت معايير مهنية تهتم بالأخلاق والفعالية العلاجية. هذا المرفق العلمي عمل كهمزة وصل بين التراث الهلنستي والمعرفة الإسلامية، خاصة بعد الفتح الإسلامي. فقد انتقل العديد من علماء جنديسابور إلى بغداد، منهم أسرة بختيشوع التي أصبحت من العلماء والاطبّاء البارزين في العصر العباسي وساهمت في تأسيس بيمارستان بغداد. وقد لاحظ مؤرخو الغرب مثل جورج سارتون وإدوارد براون أن جنديسابور شكلت القاعدة العلمية التي نقلت تراث الإغريق والهند إلى العالم الإسلامي بصرامة منهجية وتنظيم معرفي. من اللافت كذلك أن هذه المؤسسة لم تكن تحتكر ثقافة معينة، بل احتضنت اليهود والفرس وغيرهم، والمسيحيين النسطوريين (وهم أتباع مذهب لاهوتي مسيحي يُنسب إلى نسطور الذي  تبنى الرأي القائل إن للمسيح طبيعتين وشخصيتن: إلهي وإنساني، متحدين في الإرادة وليس في الجوهر، ورفض أن يُطلق على مريم لقب "والدة الإله" مفضلاً "والدة المسيح، باعتبار أن مريم أنجبت الإنسان يسوع، لا الإله في ذاته)، مشجّعة على التعايش الفكري بعيدًا عن المتنطعين، وهو ما جعلها نموذجًا حضاريًا للتعدد الثقافي، وتأكيدًا على أن "العلم" وليس "الدين" هو اللغة الجامعة بينهم. بهذه الصورة، لا يمكن إنكار أن جُنديسابور لم تكن مجرد مشروع محاكى لمكتبة الإسكندرية، بل مؤسسة معرفية متغيّرة ومتكاملة، جسدت رؤية تنموية وثقافية اعتمدت على الترجمة، والتجربة، والانفتاح، مما جعلها مركزًا طويل العمر رسّخ للعلم الحديث وساهم في صناعة النهضة الإسلامية. 

بعد هذا الاسهاب المتعمد في الحديث عن جنديسابور لإبراز مكانتها وموقعها العلمي والثقافي والفكري في بلاد فارس وما حولها، ليس غريبا أن يكون أطباء ومهندسي وعلماء الساسانيين من خيرة أهل زمانهم. فلقد جرى في عهدهم ترجمة العلوم الهندية واليونانية إلى الفهلوية (هي لغة قديمة كانت تُستخدم في منطقة إيران والمناطق المجاورة في العصور الوسطى) مما مهّد لحركة الترجمة الكبرى في بغداد لاحقًا. وتجلّت مكانة العلم في رعاية الدولة للعلماء وبناء مستشفيات ومدارس طبية، حيث كان المنهج الساساني في الطب يجمع بين التجربة والملاحظة والتعليم المستمر، مما ترك أثرًا عميقًا في التراث العلمي الإسلامي. وكان من أعلامها الطبيب والفيلسوف الفارسي الشهير من العصور الساسانية بروزويه، والذي اشتهر بترجمته لعدد من الأعمال اليونانية الهامة إلى اللغة الفهلوية وهو من أوائل العلماء الفارسيين الذين قاموا بترجمة أعمال جالينوس و أبقراط إلى الفارسية (جالينوس وأبقراط هما من أعظم أطباء العالم القديم، وشكّلا معًا الأساس الذي بُنيت عليه ممارسة الطب في الحضارات اللاحقة. سيأتي بعض تفصيل عنهما عند الحديث عن الروم).  كما قام بروزويه أيضًا بترجمة بعض الأعمال الفلسفية اليونانية و ترجم كتاب كليلة ودمنة من الهندية إلى الفهلوية، وهو النموذج الأقدم لفكرة الاستفادة من القصص في نقل الحكمة والأخلاق. كذلك أسست فيها مدارس للطب والفلك والفلسفة والمنطق، مما جعلها همزة وصل فعالة بين علوم العالم القديم والنهضة العلمية في الحضارة الإسلامية لاحقًا. وساهم الساسانيون أيضًا في تطوير علوم الفلك والتقويم الزرادشتي (تقويم شمسي دقيق يعود تاريخه إلى العصور القديمة، ويتميز بتنظيمه للأشهر والأيام وفقًا للآلهة والمفاهيم الدينية في الديانة الزرادشتي ويعتمد على الملاحظات الفلكية)، وأدخلوا تعديلات على حسابات الزمن والنجوم، انعكست لاحقًا في التراث الفلكي الإسلامي. وفي مجال الطب، ازدهرت مدرسة الطب الإمبراطوري في جنديسابور، وأنتجت أطباءً كانت لهم سمعة واسعة مثل سبور بن سهل، وكان طبيبًا وفيلسوفًا فارسيًا شهيرًا في العصور الساسانية، وكان واحدًا من العلماء البارزين في الطب والفلسفة في تلك الفترة. عاش في القرن السادس الميلادي وارتبط اسمه بتطوير الطب الفارسي التقليدي وأصبح لاحقًا من أعلام الطب في العصر العباسي. ومن الشواهد على التداخل العلمي والفكري بين الساسانيين والحضارات الأخرى أن الملك شابور الأول (وهو أحد أعظم ملوك الإمبراطورية الساسانية في فارس، و حكم من ٢٤١ م الى   ٢٧٢م،  وهو ابن مؤسس الدولة الساسانية أردشير الأول  وتميز عصره بالفتوحات العسكرية الواسعة، والتنظيم السياسي، والدعم الكبير للعلوم والمعرفة) ، استقبل في بلاطه فلاسفة يونانيين هاربين من الاضطهاد المسيحي في الإمبراطورية الرومانية، ووفّر لهم بيئة علمية لنقل المعارف الهلنستية الى بلاد فارس  ( والمعارف الهلنسية هي مجموع العلوم والمعارف والفنون التي ازدهرت خلال الحقبة الهلنستية، وهي الفترة التي تلت فتوحات الإسكندر الأكبرالمقدوني  منذ ٣٢٣ قبل الميلاد الى ٣٠ قبل الميلاد، وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى "هِلِّين" (Ἕλλην), وهو الاسم الذي استخدم للإشارة إلى أنفسهم، و"هلينستية" (Hellenistic) تعني حرفياً "المتشبّه باليونانيين")، حيث اندمجت الثقافات اليونانية مع الثقافات الشرقية الفارسية، والمصرية، والبابلية، والهندية وغيرها،  وتغطى  هذه المعارف المجالات الفلسفية والعلمية والفنية والدينية التي كانت سائدة في الإمبراطورية الهلنستية الممتدة من اليونان إلى الهند. وتجلت مساهمات الفرس أيضًا في ما ورثته الحضارة الإسلامية من علومهم، فقد نُقلت النصوص البهلوية إلى العربية في حركة الترجمة العباسية، والنصوص البهلوية هي مجموعة من الكتابات الدينية، والفلسفية، والعلمية، والأدبية، التي كُتبت باللغة الفهلوية خلال الحقبة الساسانية ٢٢٤- ٦٥١ م  وتُعد هذه النصوص من أهم مصادر فهم الزرادشتية والعلوم والفكر الإيراني قبل الإسلام، .كما أن البهلوية ليست فقط لغة، بل أيضًا نظام كتابي ونمط تعبيري كان يُستخدم لكتابة النصوص الدينية والثقافية خلال العصر الساساني، ومنها كتاب "خرافات بيدبا" والذي يحوي مجموعة من القصص والحكم تُروى على ألسنة الحيوانات. و"كناشات الطب" الذي يجمع وصفات وعلاجات ومعارف طبية، أي كأنها دفتر أدوية ووصفات علاجية، و"زرادشتنامه" الذي يتحدث عن قصة ميلاد زرادشت وحياته وانجازاته. كل هذا يدل على حيوية الإرث الفكري الفارسي السابق للإسلام. كما أن المؤسسات العلمية التي دعمتها الدولة الساسانية أرست نموذجًا مهيبًا تبنته الخلافة العباسية لاحقًا في بيت الحكمة ببغداد.

منجزات حضارات مصر القديمة

وهناك على ضفاف النيل، حيث تناغمت الطبيعة مع الفكر الإنساني، بزغت حضارة مصر القديمة كأحد أعظم الشواهد على عبقرية الإنسان المبكرة. لم تكن أهراماتها ومعابدها مجرّد حجارة صامتة، بل تجسيدًا لفكر هندسي ورياضي متقدم، وإيمان راسخ بالنظام والديمومة. تفوّق المصريون القدماء في الطب والتشريح، ودوّنوا معارفهم على أوراق البردي بأسلوب علمي منضبط، كما أسهموا في الفلك، والزراعة، والري، والتقويم الزمني، بل وأرسوا مفاهيم العدالة الإدارية والاجتماعية. وفي رحاب كتاباتهم الهيروغليفية، حافظوا على تراثهم ومعتقداتهم وفهمهم العميق للكون والحياة والموت. لقد كانت مصر القديمة مختبرًا حضاريًا حقيقيًا، وترك أثرًا خالدًا في مسيرة البشرية في مصر القديمة. فقد ارتبط العلم بالمقدس، وبرزت تطبيقات عدة في الطب والهندسة والرياضيات، تُظهر وعياً علمياً عملياً ولو ضمن حدود العقيدة الدينية. بناء الأهرامات، وتحنيط الموتى، والعمليات الجراحية البسيطة، كلها تشهد على هذا الوعي. فمصر القديمة كانت مهدًا لعدة إنجازات علمية وفكرية عظيمة، وساهم العديد من العلماء المصريين في تطور الفلسفة، الرياضيات، الفلك، والطب. مون أبرز العلماء في العصور الفرعونية إيمحتب (حوالي 2700 ق.م)، الذي يعتبر أول طبيب معروف في التاريخ وأحد أعظم المهندسين المعماريين، وأُطلق عليه لقب "إله الطب". اشتهر بتطويره لعلاج العديد من الأمراض، واهتم بتوثيقها في أقدم النصوص الطبية. كما كان ل أوسيمير، الذي عاش في الفترة التي عاش فيها ،  أرخميدس وآمنمحات وخنسو، تأثيرا كبيرا في أبحاث علم الأدوية والعلاج بالأعشاب. و تُعد برديتا إدوين سميث وإيبرس من أقدم الوثائق الطبية في التاريخ، وقد كُتبتا في مصر القديمة باللغة الهيراطيقية، وتقدمان رؤى مبكرة متقدمة عن الطب والجراحة والعلاج بالأعشاب. بردية إدوين سميث، التي تعود إلى حوالي القرن السادس عشر قبل الميلاد لكنها استندت إلى مصادر أقدم تعود لألفي عام قبل الميلاد، تُعتبر أول وثيقة علمية تصف حالات مرضية وجراحية بطريقة منهجية تعتمد الملاحظة والتشخيص والتوقع والعلاج، وقد وُصفت فيها إصابات الرأس والعمود الفقري والكسور والجروح مع تفسيرات تُظهر فهماً تشريحياً دقيقاً. أما بردية إيبرس، التي تعود إلى نحو عام 1550 قبل الميلاد، فهي موسوعة طبية تضم أكثر من 700 وصفة علاجية ونصائح صحية تشمل أمراض البطن والعين والجلد والأوعية الدموية والأسنان، بالإضافة إلى تعاويذ سحرية، مما يعكس التداخل بين الطب والدين في مصر القديمة. اكتُشفت البرديتان في القرن التاسع عشر، وحملتا أسماء مكتشفيهما، الأمريكي إدوين سميث والألماني جورج إيبرس، ولا تزالان مصدرين أساسين لدراسة تطور الطب القديم. أما في مجال الفلك، فقد كان تحوت، إله الحكمة والمعرفة، يُعتقد أنه قد أسس المبادئ الفلكية المتعلقة بالحسابات الزمنية، وكانت المعابد تستخدم الفلك لتحديد الوقت المناسب للطقوس الدينية. ومن العلماء البارزين أيضًا أحمس، الذي يُنسب إليه الفضل في توحيد مصر ومؤلفاته التي تركز على التحليل الرياضي للمسائل المعمارية. كما أن أرخميدس المصري، أمنمحات، وخنسو، يعدون من  أبرز علماء الرياضيات والفلك في عصر الدولة الوسطى، فلقد عملوا على تطوير التقويم المصري وضبط معايير القياس. هؤلاء العلماء وغيرهم ساهموا بشكل أساسي في تطور العلوم في مصر القديمة، والتي أثرت بدورها على الحضارات المجاورة.



نكمل في رقم ٣ الحديث عن بعض الحضارات الأخرى


فؤاد

١ اغسطس ٢٠٢٥

تعليقات