عاشوراء رسالة تتجدد
بالرغم من المكانة العظيمة التي يحظى بها الامام الحسين ع من رسول الله ص وفي الاسلام، في الدنيا و الاخرة وفي وجدان الواعين مصداقا لما اتت به الاحاديث المروية عن رسول الله ص في حقه، ظلم سبط رسول الله ص. لكن ظالميه تعددوا وتنوع ظلمهم له بدراية او بحسن نية. لكن وبالرغم من كل ذلك، فعاشوراء تزهر وتتجدد.
لقد ظلمه قاتليه ومن مثلوا بجثته ومن قطعوا رأسه ورفعوه على الرماح من واقعة عاشوراء الى القصر. لقد ظلمه قاتليه بأشد وأقسى واوحش اصناف الظلم والتمثيل بجسده واجساد اصحابه، واهانوا اهله وجدهم رسول الله ص بسبي عياله ونسائه. فأي اساءة أشد لرسول الله من سبي ابنة بنته فاطمة الزهراء ع ، زينت ع؟!، و بنات حفيده الذي كان يدعوا الله له صغيرا ويؤخر قيامه من السجود من أجله؟ نعم اهينت سلالة نبي الرحمة على ايدي قاتليه ومن سبى النساء وضربهم وعاملهم معاملة المسبيبات من الروم او الفرس، حيث أخذوهم عبر البراري الى شتى البقاع.
ومع الفارق الشاسع، بين من ارتكبوا مجزرة عاشوراء بحق افضل وانقى واسمى من كان موجودا على الأرض من خلقه خلال عاشوراء، إلا أنه ومن كان معه عليه السلام، ظلم من قبل بعض انصاره واتباعه بصورة أخرى ، حيث احتكروا عاشوراء لهم ولم يعطوها حقها بإبراز عالميتها وإنسانيتها التي كان يتحدث بها الحسين ع في بعض مقولاته وخطبه "إني لا أرى الموت الا سعادته و الحياة مع الظالمين الا برما" أو "متى استعبدتم الناس و قد خلقتهم امهاتهم احرارا" ، او "لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد" أو "إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر"
كما ظلمه بعضهم بالاسترسال في ذكر الروايات والاحداث والممارسات التي تحتاج الى الكثير من التفكر فيها قبل نقلها للناس وتداولهاـ فلربما لم يكن لها مكان من الواقع. وظلمه من لم يأخذ حينها، موقفا واضحا من حادثة مقتله وسبي بنات رسول الله (ص)، وظلمه من لم يتناول و لم يتناقل تراثه الغني و لم يورثه للأجيال المتلاحقة.
وظلمه من حاول أن يخفي ما تمتلئ الكتب به من أحاديث النبي (ص) المنقولة منه والمنقولة عنه في حق الامام الحسين ع بعدم تداولها احيانا وتحوير معانيها وتسطيحها احيانا اخرى. وظلمه بعض من "اجتهد" ، تحت عناوين احياء عاشوراء، فادخلوا على ممارسات الاحتفاء بعاشوراء ممارسات ابعد ما تكون عن القبول والرضى من اكثر الناس واقرب لان تكون عامل نفور وابتعاد عن معاني عاشوراء الناصعة والجاذبة للإنسان. وظلمه من قلب الحقائق وشوه صورة عاشوراء بشتى الطرق مبررا للقتلة والظلمة قتلهم وتمثيلهم ونحرهم وسبيهم وتنكيلهم، ليصل ببعضهم ان يتجرأ ليقول "الحسين خرج على إمام زمانه"، أو ان " خروج الحسين فيه مفسدة". وكثير من محاولات التشويه والتحريف التي اصبحت أكثر وضوحا واوسع انتشارا في تداولها مع وجود التقنيات الحديثة للتواصل.
وظلمه بعض بحسن نوايا حاول، خلال السنوات الاخيرة، "الارتقاء" بالمنبر وصعد به لمواقع عالية وزوايا ليست مأهولة بالناس بتبنيهم منهجا جديدا لمعالجة ما شخصوه حاجة للمجتمع. ويتلخص منهجهم هذا بتطبيع استخدام مفردات ومصطلحات واسماء غريبة عن المجتمعات المحلية والاستفادة من دراساتهم التي قاموا بها في بلدانهم ومحاولة الاستفادة منها. اتفق أن العنوان العام جميل لكن عند النظر في التفاصيل نجد اننا دخلنا متاهة تبرز فيها تحديات عدة يصعب التعايش معها. فالعنوان الذي يقتنع به الجميع ان ليس كل ما ينتجه الغرب قابل للتبني هنا! بل يمكن ملاحظة ان العلوم الصرفة يمكن فيها ذلك والاستشهاد بها والاستفادة منها مع اخذ الاحتياط في المصطلحات والمعاني. لكن الاتكاء على ما أنتج الغرب في الدراسات النفسية والاجتماعية وما افرزته من ممارسات ومسلمات ومقولات لديهم، لا يمكن ان يسقط اسقاطا مظليا على مجتمعات غيرهم ليس ببنها تداخل في القيم والمعتقدات الا ربما بعض تداخل في المصطلحات. وهنا يمكن نرفع صوت العتب على المختصين المسلمين القريبين من التخصصات الاجتماعية والنفسية والانسانية، وافتقار المكتبات لإبداعات دراساتهم وتوطين علوم انسانية يمكن ان تكون هي مرجعية ومصادر لمن اراد ان يرتقي بعطاء منبر العاشوراء معتمدا على منهجية علمية واعية.
هذه المحاولات والممارسات التي تدور في نتيجتها، بقصد من اكثرهم وبدون قصد من بعضهم، في مسار الدفع لتكون عدم إعطاء عاشوراء حقها الواجب لها، وعدم إعطائها بعدها الإنساني و العالمي الذي انطلقت من أجله، الا ان ما نشهده اليوم، ومع حسن استثمار التقنيات الحديثة من قبل الواعون بمعاني ومقاصد عاشوراء ، وبالرغم من الكثير من السلبيات التي يمكن ذكرها، الا ان مقولة "كل ارض كربلاء"، تتجسد اكثر وبشكل حضاري لدى الكثير من المحتفيين بعاشوراء. فنداء " لبيك يا حسين"، تكاد تسمعه بكل لغات العالم ومجالس عاشوراء تعقد في كل الدنيا.
مأجورين مثابين
تعليقات
إرسال تعليق