عن نقل مقولات الاخرين
مع اتاحة قنوات عدة لكل فرد للتعبير عنما يريده مكتوبا او مسموعا او مرئيا ، وامكانية البحث عن المعلومة على مسافة الضرب على ازرار لوحة المفاتيح، تمكن الفرد من وضع مشاركاته او التعليق على كل ما تزدحم به وسائل التواصل المختلفة من مشاركات في كل مكان وكل شأن لدرجة انه لا يمكن ( نظريا) ، استثناء اي مجال او اي موضوع منها في اي مكان. ومع سهولة الوصول للمعلومة، اصبح من السهل استخدام منقولات عن الاخرين في سياق الحديث ولذلك يلاحظ ان الكثير من مرتادي هذه القنوات يميلون الى اقتباس مقولات اشخاص اخرين لهم حضور في ميادينهم المتعلقة بالموضوع ولاسباب مختلفة ليس هنا مجال الحديث عنها. انما خصصت هذه الاسطر للاضاءة على بعض الضوابط التي اتصور اننا نحتاجها ليكون للمنقول وقع ايجابي في تحقيق الهدف من النقل.
في رأيي المتواضع، ان النقل عن الاشخاص امر يحتاج الى كثير تمعن وتفكر!! فما لا تقوله المنقولات عن المنقول والمنقول عنه هو عرضة على الاقل لامرين اساسيين
اولها : ان فهم ما يتم نقله ، وخصوصا من المقولات القديمة ، تخضع الى الظرف الزماني والمكاني والنفسي والاجتماعي والثقافي والسياسي الذي قيلت فيه! وخصوصا ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية مما ينقل. وهنا اورد مقولة لاينيشتاين واخرى مقولة لافلاطون لعل تمكنت ان ابين المقصود بما ذهبت اليه في هذه المقدمة.
فاينيشتاين ، كمثال اول، عندما قال "ان العلم بدون دين اعرج، والدين بدون علم اعمى" قالها في اجواء نقاش محتدم بين انصار ومعارضي استخدام القنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية وكان اينيشتاين معارضا لاستخدامها خصوصا ان النقاش احتد اكثر بعد ان تبين ان الالمان ، وبسبب هزائمهم المتتالية، قد تخلوا عن برنامجهم لانتاج القنبلة النووية والذي كان الدافع الاساس الذي احتجت به امريكا لتتبنى مشروع منهاتين سعيا لانتاج القنبلة قبل ان تنتجها المانيا.
(( ملاحظة: لاحقا "صوب" هذه المقولة بول ديفيس استاذ الفيزياء في جامعة اريزونا ومدير مركز المفاهيم الاساسية في العلم، ليعكس قناعته بعمق الحاجة للدين من اجل توجيه العلم فقال "أن العلم بدون دين اعمى والدين بدون علم اعرج". واميل لمقولة الاستاذ بول ديفيد انها تعكس الحقيقة اكثر))
وهنا ما قاله افلاطون كمثال اخر "اذا تجاهلك شخص فهو يطلب منك مغادرة ساحته" والمعنى الذي نقرأه من هذه المقولة واضح جدا.
ولكن هنا ما يقوله شكسبير "اذا تجاهلك شخص فاعلم انك الاهم لديه"، والمعنى هنا مختلف بل هو النقيض لما قاله افلاطون.
فنقل مقولة احدهما بدون نقل متعلقاتها في منطلقات كل منهما، من ظرف اطلاقها وما تضمره الحروف من معنى وما يعكس شخصية القائل ، وقناعاته، هو بمثابة نقل ناقص للمقولة، فتفقد معناها واهميتها!!
ثانيها: أن بناء علاقة بين الشخص وما ينقل عنه، يحتاج الى معرفة وثيقة بان ما نقل عن هذا الشخص هو في حقيقته ما يتبناه ويؤمن به. فربما توصلنا الى ان ما يتم نقله عن احدهم، قد يكون قد قال عكسه وضده ايضا!؟ فلربما قال فكرة وقال عكسها، ولربما تبنى الأضاد في ما يتم نقله عنه! في هذه الحالة ، نحن ننقل عن شخص رأي واحد بخلاف حقيقة الشخص الذي تبنى الرأي وضده!! فتضيع قيمة المنقول عنه ، وتكون صورة المنقول عنه مهتزة متناقضة، من الاولى عدم تبني مقولاتها والاستدلال بها الا في حالة واحدة فقط. وهذه الحالة هو الفصل بين القائل والمقولة المنقولة عنه، وتوضيح السبب في نقل وتبني ما نقل حسب قناعة الشخص الناقل ولا حاجة في ذلك للرجوع لمن هو القائل !! اخذا في هذه الحالة فقط، بما تسالمنا عليه "انظر الى ما قيل ولا تنظر الى من قال"، وطبعا لا يخفى ضعف استدلال بهذه الكيفية عند اطلاقها بدون مرجع لها.
وهنا اورد ما نقل عن فولتر قوله "أنا لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله" مثالا لايضاح الفكرة في ثانيا.
عندما قرأت مقولة فولتير تلك، مباشرة تبادر الى ذهني "اي فولتير هذا الذي قالها؟!"
هل هو :
فرانسوماري ( المعروف ب فولتير) منظر الثورة الفرنسية، والذي بشر بكل ما رفعته الثورة الفرنسية من شعارات في المساواة والعدالة والحرية ومحاربة العبودية والارستقراطية ، ومناصرة الانسانية وكل ما هو جميل فيها؟
أم هو:
فرانسوماري ( المعروف ب فولتير) "الفيلسوف التاجر" أحد الشركاء في شركة الهند الفرنسية المتعهدة استغلال موارد الشعوب التي تستعمرها فرنسا وملاحقة الفقراء في افريقيا وبيعهم عبيدا والمستثمر بشكل مباشر في بواخر نقل العبيد الى فرنسا؟.
أم هو
فولتير الذي لم يكن منتميا بحق لما رفع من شعارات التنوير، فلقد رفعها ولكنه مارس ما هو ضدها عمليا؟!
في الخلاصة: لمن يستهويه ذكر الاسماء الكبيرة وحشرها فيما يكتبه من اسطر، نحتاج جميعا لمزيد تمعن وزيادة حرص ، فالمنقولات محفوفة بالكثير من المخاطر والمزالق والتحديات.
ملاحظة: الاسطر القليلة هذه ، حوت اقتباسات من ٥ شخصيات لها حضورها الوازن في مجالها المتنوع الذي شمل الفيلسوف والاديب والمؤرخ وعالم الفيزياء. وللوهلة الاولى يبدو ان هذا حشرا ونقلا مكثفا!! نعم فتحقيق الهدف من هذه الاسطر المتمثل في إيضاح الحاجة لمعرفة اكثر من حروف المنقول، وابعد من اسم المنقول عنه لكي يكون للنقل قيمته، تطلب كل هذا المنقولات!!
فؤاد
٩ جون ٢٠٢٥
تعليقات
إرسال تعليق