عاشوراء كنز معان وقيم

          

    

لنقف ونحن في ايام عاشوراء على امرين اولهما موقع الامام الحسين ع في الاسلام ومكانته عند النبي محمد ص ليس على انه جده بل على انه نبي هذه الامة. وثانيهما هو حجم المعاناة والاذى الذي عاناه الحسين ع في عاشوراء. فالمسافات الشاسعة بين موقع الحسين ع في الرسالة المحمدية، وبين ما كانت عليه مكانته عند من مارس ضده كل تلك المآسي في عاشوراء، يعطي صورة ناصعة لقيمة عاشوراء وتبعات ذلك على ابناء الامة الاسلامية.

عند الحديث عن موقع الامام الحسين ع في الاسلام ومكانته عند نبي الاسلام محمد ص، نجد بين ايدينا في التراث الاسلامي انهار من الاحاديث التي تبرز مكانته انسانيا وسبطا واماما!! ولا يسعنا ذكر كل ذلك فقط هنا بعض عينات. وقبل ان اذكر اي من الاحاديث ، فقط نحتاج ان نستحضر ان اقل ما يقال عن الحسين ع انه احد اصحاب النبي ص، وله كامل حقوق الصحبة للنبي ص حتى وان لم نذكر اي من الاحاديث الاخرى. 

هنا حديث النبي ص"حسين مني وانا من حسين"!! وهو الحديث الذي رواه  بعص اصحاب الصحاح. وهو في شقه الاول "حسين مني" واضح ان حصرنا المعنى بالمعنى المادي الذي يربط الجد ص بابن بنته ع، وهذا واضح. لكننا نجد انفسنا امام "وأنا من حسين" التي تحتاج لتفسير وايضاح لا يمكن الوصول اليه بدون تفكر وتأمل فيها. فكيف يكون النبي ص وهو الجد، من الامام الحسين ع؟!  وليس من مخرج الا ان نذهب الى اندماجهما في الرسالة والاهداف  تفسيرا لذلك. 

وهنا قول النبي ص"الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا". مرة اخرى لابد ان نقف لتبيان معنى ان يكونا امامان سواء قاما او قعدا! وحتما لا تعني الوقوف او الجلوس والا اصبحت اضافة غير سليمة. فما عسى يعني هذا الحديث؟ وكيف تتجسد معانيه؟ وليس من مخرج لمعنى القيام او القعود الا ان تعني تصديهما للامامة او عدمه، فان موقعهما في موقع الامامة محروز ومكفول لهما. 


وهذا حديث النبي ص "الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة" فلابد ان هذا يبين مكانة راقية من نوع خاص لهما ع. وليس من معنى لهذا الا ان مكانة الإمامين سامية وعالية ولهما الجنة بما قدموه في حياتهما الدنيا. اما كونهما شباب!! بل سيدا الشباب، فليس لدي ما اضيفه في وجودهما شابان في الجنة. وكثيرة الاحاديث في حق الامام الحسين ع، ويمكن لكل راغب في الاطلاع أن يجدها و يتفحصها و يتأمل فيها.

والان، وحيث منزلة الصحابي الحسين ع في الدنيا والاخرة هي كما اتت في احاديث النبي ص الثلاثة التي ذكرت، وهناك عدد كبير ايضا من الاحاديث، فلابد وان الاعتداء عليه ومحاربته من قبل فئة مسلمة ، سيشكل صدمة كبيرة لكل مسلم. وبكل تأكيد تزداد الصدمة حيث لم يكن الامر حربا عابرة بين فريقين، بل كانت الحرب ضد الامام الحسين ع تستهدف قتله وكل الاصحاب!! بالرغم من انه افصح لهم عن سبب خروجه  والتوجه لمكان التقاء الفريقين. فعندما قال

"انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله" ،  وهو الحديث الواضح المعاني والرؤية، تبرز مظلومية  الامام الحسين ع  التي اخبر بها النبي للحسين ع بكل تفاصيلها ، في خروجه مع اهله وقلة انصاره وحصاره واستشهاده مع ابناءه واخوته وكل انصاره وسبي نسائه وسوقهم من مكان الى مكان. ومع كل هذا، يتعهد الحسين ع لجده ص بالصبر على كل ذلك واستعداده على التحمل والمواجهة في كل مفاصل حركته، بعد ان اخبره بها النبي ص. وكذلك حديثه ص لأم المؤمنين أم سلمة عليها السلام، في إخباره ص لها بمقتل الحسين ع ومتى يكون. هذه كلها واكثر لابد ان يتضح منها حجم المساحات الكبيرة التي تباعد بين مكانة الحسين ع وحجم المظلومية التي حلت به وباهل بيته. 

تأتي مناسبة عاشوراء والتفكر في معانيها في سياق طبيعي انساني على اقل تقدير. ويعزز ايضاح ذلك الاطلاع على مآثره ع وما قاله في ايضاح معاني عاشوراء وسبب نهضته منذ ما قبل مسيره من المدينة المنورة الى آخر ما قاله وهو يحدث قاتليه،  فيطالبهم  بان ينسبوه ويتعرفوا على من يقاتلون ، ووصولا لاخر دقائق وهو يحدث قاتله في ظهيرة عاشوراء، فكل هذا يزيد عاشوراء ايضاحا وتعريفا.  ولعل فيما اتى به بعض المفكرين والكتاب  العالميون  من مسلمين وغير مسلمين في ما قالوه عن الحسين ع وعن واقعة عاشوراء ما يحفز للتعرف على دوافعهم وكيف وصلوا لتلك النتيجة في وصفهم!! 

عاشوراء عند التجرد من كل انحياز الا الانحياز الى انسانية الانسان، ستكون ساطعة واضحة المعاني والغايات ، ولايمكن ان يكتمل التقويم الهجري الا باحياء ذكراها. فهي امتداد لرسالة النبي محمد ص. باحياء ذكراها ، تحيا النفوس والارواح وتتزود من عطاء الاسلام ومنابعه الصافية وما جسده الحسين ع فيها من مواقف ومبادئ. 

نعم عاشوراء كنز معان وقيم تختزن جواهر قيمة  وتدعوا الخطباء الكرام التركيز عليها وابراز معانيها لكي يخدموا بذلك عاشوراء الحسين ع في الابقاء على عاشوراء ناصعة ، وواضحة ، ومفهومة المعاني والمفردات والاهداف والغايات والادوات. وكونها كذلك فهي لا تحتاج لاي ممن يتحدث عنها لا لتضخيم الاحداث ولا لتحوير معاني بعض احداثها فضلا عن عدم حاجتها لاختلاق احداث. لا من اجل الاقناع بمكانة الحسين ع ولا مظلوميته ولا من اجل استجداء دمعة وخلق اجواء حزن. كما ليس لمن يتلقى خطاب المنبر ان يتساهل فيما ينقل له مما لا سند له مما لا يعقل في معانيه الا ان يكون له ما يوضحه ومعه دليله او يستوضحه ممن القاه على المنبر. 

طبيعة عاشوراء انها اجواء فقد لقامة من قامات الشخصيات الاسلامية وصحابي اسماه النبي ص بالامام الحسين ع ووعده الجنة.  وطبيعة اجواء عاشوراء هو الحرب والحصار والظلم والتعدي والسبي بحقه وحق اسرته ع واسرة النبي ص، بابشع ما تكون البشاعة والاجرام. وطبيعة رسالة عاشوراء انها مطالبة من حفيد رسول الله ص، اطلقها طلبا للاصلاح في امته جده، اخبره بها جده فهي ليست اجتهادا منه بل اخبارا بها من النبي محمد ص.  وطبيعة الاشياء في عاشوراء انها اجواء استحضار لسير اشخاص كان ايمانهم بقيمهم ومعتقداتهم ورسولهم ايمانا ساميا، ترجموا تمسكهم به في ساحات كربلاء وقافلة السبي. 


فمد يدك الى اي من مفرداتها ستجد فيها ما يفتح الأبواب  واسعة على كل معان عاشوراء. 


مأجورين مثابين 

وكل عاشوراء وانتم بخير 


فؤاد

جون ٢٩، ٢٠٢٥

تعليقات

إرسال تعليق