بين الدين والعلم -١

"لقد نشاء العلم عندما آمن الانسان بالتوحيد"

بأول ديفيز 

مقدمة

تشكل المعرفة ركنا أساسيا في تشكل شخصية الفرد. وتنتج هذه المعرفة لدى الفرد عن طريق ما تتلقاه حواسه المختلفة إضافة لما ينتج من معرفة من خلال اعمال الفرد عقله في كل ما يصله من خلال حواسه. وتتنوع مصادر الحواس المختلفة التي يمكن أن تشمل المقروء والمسموع والمشاهد والمشموم والمتذوق وما يستشعر. كما يمكن تصنيف بعض هذه الى مصدرين: المصدر الأول هو البيئة وكل ما حول الانسان من مخلوقات حية او جماد، والمصدر الآخر هو الديانات السماوية التي لدى بعضها كتابا يعتبر المصدر الأساس، وبعض الديانات، كالإسلام مثلا، لديه إضافة للقرآن الكريم ما روي من أحاديث أو مواقف صحيحة للنبي محمد ص مما تم تدوينه. هذه المادة التي يتلقاها الانسان إما أن تكون مادة خامة عبر المشاهدات التي تصله عن طريق حواسه المختلفة، وتجارب إنسانية مختلفة فوصلت له كخلاصة تلك التجارب بعد مرورها بمراحل متفاوتة من التفكير والتحليل وما يصل اليها من نتائج. وكلها تخضع للتفكير والتحليل من قبل المتلقي ليكون هو بنفسه خلاصاته واستنتاجاته.  


لمحة سريعة عبر الزمن

مصدري المعرفة المتمثلين فيما يحصل عليه الانسان من مصادر الأديان  بالكتب الدينية والوحي وغيرها، ومن حواسه المختلفة التي تتلقى البيانات من البيئة المحيطة به، والتي تمثل المعطيات الأولية للعلم يخضعان بمستويات وبآليات وبأدوات مختلفة للتحقق من صدقيتها ومن معانيها وبمستوى من التحليل ومن ثم الوصول لقناعات وخلاصات واستنتاجات. في مسيرة البشر، سبق الدين ومعطياته العلم في الاستحواذ على تقديم التفسيرات للإنسان، فكانت الأديان هي المرجع وهي الأساس في التفسير لكل الظواهر ولكل الاحداث. ومع مرور الانسان بتجارب مع بيئته تشكلت لديه القدرة على الملاحظة والتفكر والتأمل والاستنتاج، فتمكن من تقديم رأيه فيما يشاهده وما يمر عليه من حوادث. لكن ومع تصاعد إمكانيات الانسان في معرفة البيئة والعلم يمكننا ايجاز العلاقة بين العلم والدين التي تمتد لآلاف السنين على مراحل متتابعة. في العصور القديمة، كان الدين يعتبر المصدر الرئيسي وتقديم التفسيرات المنهجية للحوادث، وكان التفسير العلمي والتفسير الديني للحوادث يعيشان في سلام أو لنقل في عالمين مختلفين لم يلمس فيها الانسان حاجة لتنظيم العلاقة بينهما، بل ربما كان العنوان هو التعايش بينهما وما يقدماه. ولكن ومع تقدم وزيادة مستوى نضج التجارب الانسانية، تمكن العلم من تقديم تفسيرات لم تكن متاحة من قبل الدين لاختصاصها بالجانب المادي، فكان التعاون في التنوع للتفسيرات المقدمة من قبل العلم من جهة ومن قبل الدين من جهة أخرى.  ومع تراكم الخبرات التي قدمها الانسان عبر التجربة نتج عن ذلك زخم من العلوم والمعارف زاحمت الدين في الساحة. هنا، وكما المتوقع، تغيرت العلاقة بينهما لشكل من اشكال التزاحم والتنافس بين ما يقدمه العلم وما يقدمه الدين والتفسيرات العلمية للظواهر والاحداث التي تمر بالإنسان. ومع ظهور نظريات علمية جديدة وثورات علمية متتابعة تشرح الظواهر الطبيعية بطرق مختلفة عن التفسيرات الدينية التي إعتادها الانسان، تشكلت علاقة تتسم بالعداوة بينهما ونزعة للهيمنة من قبل أنصار الدين للمحافظة على موقع الدين في المجتمعات، ومن قبل العلم لإثبات صوابيه معطياته. ومع الثورات والقفزات التي حققها العلم في الكون وفي الانسان وفي البيئة، وصل بعض اتباع العلم للنظر بدونية للدين وأن ما يقدمه هو القادر على تفسير كل شيء، بل وصل بالبعض الثقة الابعد من الواقع بتقديم العلم كالاه حيث هو المؤمل عندهم أن يفسر كل شيء.  ورغم ذلك، لا يزال هناك العديد من العلماء والكثير من أتباع الديانات مؤمنون بأن العلم والدين يمكن أن يتعايشا ويتكاملان معًا بصيغ مختلفة في الكثير إن لم يكن في كل ما يمر بالإنسان. 

أهمية معرفة العلاقة بين الدين والعلم

العلاقة بين العلم والدين، في الدول الغربية والتي نشاء فيها العلم الحديث بشكل رئيسي، منذ العصور الوسطى ومرورا بزمن النهضة الأوروبية ثم الثورة الصناعية ومن ثم التنوير والى الآن، كانت علاقة غير متوازنة، بل يعتريها الخلل في مادة العلم والبحث وما ينتجاه، وما يحركها من دوافع واهداف، وما يرافقها من ممارسات واخلاقيات مهنة، ووصولا الى مخرجاتهما وتطبيقاتهما، وخصوصا في بعض المجالات الانسانية التي تشمل الادب والفن والاجتماع والنفس وكل ما يقترب منها. ولابد من القول إنه إذا كان الامر كذلك في موطن العلوم، فالربكة وعدم التوازن في هذه العلاقة له حضور ، اقله حضور صوري في البلدان الإسلامية في أحسن حالاته، هو بمثابة محاكاة بائسة لما حدث ويحدث في أوروبا والغرب بشكل عام. على أن تبيان العلاقة بين الدين والعلم وفهمها فهما صحيحا، له تبعاته وآثاره الجوهرية على أجيال المجتمع المتعاقبة كما يقول الفريد نوث وايتهيد الفيلسوف الانجليزي -امريكي المتوفى ١٩٤٧ "علاقة العلم بالدين يتوقف عليها وعلى كيفية تعاطي هذا الجيل معها: مستقبل البشرية لأن أعظم مصدرين للمعرفة يتوقفان على الدين من جهة والعلم من جهة أخرى".

سيكون موضوع الأسطر القادمة مثالان يبرزان علاقة وطيدة بين العلم والدين.

فؤاد 

١١ جون ٢٠٢٥


تعليقات